سؤال: فضيلة الدكتور الصاوي سؤالي عما وقع في الإسكندرية بعد منتصف الليلة الماضية من تفجير أودى بالعشرات، ما موقف الشريعة منه؟ وكيف ينظر إليه في سياق الأحداث العالمية والمحلية؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن الحادث قيد التحقيق، وليس لنا أن نستبق نتائجه، ولكننا نقول إن الحدث أيا كان مرتكبه مصريا كان أو غير مصري، مسلما كان أم غير مسلم، يعد جهالة جهلاء، وضلالة عمياء، وجريمة نكراء، تدينها الشريعة الإسلامية والنظم الوضعية، ولسنا في خندق مرتكبيه أيا كانت دوافعهم، ومهما تبهرجت تأويلاتهم، فقد تقرر في بدهيات الشريعة حرمة دماء كل من تربطنا به رابطة المواطنة من المعاهدين، وكل من قدم إلى بلاد الإسلام زائرا أو تاجرا أو سائحا من المستأمنين، وأن حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم من جنس حرمة دماء المسلمين وحرمة أعراضهم وأموالهم، وأن من قتل معاهدا في عهده لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وأنه لا يحل لمسلم أن يخيس في عهده ، فالغدر قبيح عند الأمم كلها ، فضلا عن هذه الأمة التي تتبوأ مقام الشهادة على الأمم قاطبة، ولكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من خصال المنافق : إذا عاهد غدر، و في حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري
ولمن يحتجون بأنه قد بدت بوادر الفتنة من قبل فريق من غير المسلمين تمثل ذلك في فيما ارتكب من أحداث ضد بعض المسلمين الجدد، وتعقب قومهم لهم، ودخول بعض القيادات الدينية غير المسلمة في هذا المعترك بما أثار الحفائظ وأشعل الحرائق، فإننا نقول: إنما يبوء بإثم ذلك وبعقوبته من تولى كبره وتورط فيه، وظاهر عليه، ولكن لا تعمم تبعاته بحيث تطال البريء والظنين، ويحترق بنيرانه الباقي على عهده والناقض له، ونحن المسلمين نقرأ على الناس في كتابنا قول الله تعالى [ أولم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى ].
ولقد علم العقلاء أن بدايات الفتن الكبرى كانت أحداثا من هذا النوع سرعان ما تطاير شررها واستفحل خطرها حتى أتت على الأخضر واليابس، وقد رأينا شؤم الغدر في تاريخنا وما جره على الأمة من الويلات والنكبات، ولا تنسى ذاكرة التاريخ ما جرى للأمة من شنائع ومجازر على أيدي التتار، وقد كان أول ذلك حماقة ارتكبها بعض الحمقى، وغدرا ببعض رسل التتار، وقد دفعت الأمة ثمن ذلك فادحا فيما توالى بعد ذلك من أهوال جسام تقشعر لهولها الأبدان!إن مفاسد مثل هذه الأحداث وشؤم نتائجها على الأمة والملة بادية للعيان، فهي تكرس الاحتقانات الطائفية، وتعوق مسيرة الدعوة إلى الله عز وجل، وتعطي للحمقى والشانئين من غير المسلمين مادة ملتهبة يشعلون من خلالها الحرائق، ويبثون من خلالها الأراجيف والأباطيل، فهل ينتهي العابثون؟ وهل يرعوي الغلاة والخاطئون؟ اللهم غفرا، والله تعالى أعلى وأعلم.
ا.د. صلاح الصاوي
الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
ورئيس الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية